Eng Ahmed Kadri public speaking
/

كيف يؤثر التضخّم على المشاريع الصغيرة؟

ماذا يعني التضخّم لجيبك ومشروعك؟
تخيّل أنّك في المقصف المدرسي تشتري سندويتشًا. أمس كان سعره خمسة جنيهات، واليوم صار ستة. هذا الارتفاع المستمرّ في الأسعار يُسمّى (التضخّم(. في اقتصاد مصر وصلت معدلات التضخّم إلى مستويات تجعل كثيرًا من الأسر تعيد حساب نفقاتها. لكن كيف ينعكس هذا الأمر على المشاريع الصغيرة التي يحلم بها طلاب اليوم ليصنعوا منها مشاريع مربحة غدًا؟ سنشرح التأثير خطوةً بخطوة، ثم نعرض حلولًا عمليّة بلغة بسيطة

التضخّم يرفع تكلفة المدخلات

كل مشروع يحتاج موادّ خام: الدقيق لصاحب المخبز، الورق للطابعة، البنّ لمقهى صغير. عندما يرتفع التضخّم، يطلب المورد سعرًا أعلى لتعويض زيادة تكاليفه. فتجد نفسك تدفع عشرة جنيهات بدل سبعة مقابل كيلوجرام الدقيق. إذا استمرّ التضخّم، تصبح فاتورة المواد الخام أكبر شهرًا بعد شهر، ما يقلّل هامش الربح إن بقي السعر ثابتًا.

التضخّم يقلّل القدرة الشرائية للعملاء

ليست شركتك وحدها من يدفع سعر التضخّم، بل زبائنك أيضًا. عندما تزداد فواتير الكهرباء والطعام، يخصص المستهلك جزءًا أكبر من دخله للأولويات، وقد يستغني عن منتجك إن اعتبره كماليًا. لذا يشعر صاحب الحلوى بانخفاض المبيعات لأنّ الناس تؤجّل شراء الحلويات لحين تحسّن الدخل.

ضغط هامش الربح… حلقة مفرغة

ارتفاع التكاليف مع انخفاض المبيعات يعني هامش ربح أضيق. قد تفكّر في رفع السعر، لكن العميل قد يبتعد. تُصبح في حلقة: ترفع السعر لتعويض التكلفة، فينخفض الطلب أكثر. هذه الحلقة مؤلمة خاصةً للمشاريع التي لا تملك احتياطيًا ماليًا كبيرًا.

التمويل يصبح أغلى وأصعب

لتمويل التوسّع، يلجأ بعض روّاد الأعمال إلى القروض. مع التضخّم، ترفع البنوك سعر الفائدة لحماية قيمة أموالها. فتدفع قسطًا أكبر وتتحمّل مخاطرة أعلى. كما قد يتردّد المستثمرون لأن العملة تفقد قيمتها بسرعة، فيفضّلون الأصول الآمنة مثل الذهب.

التقييم المالي للمشروع يتقلّب

إذا كنت تفكّر في بيع حصة من مشروعك الصغير لمستثمر، فسيسأل عن أرباحك المستقبلية. في ظل التضخّم، يصعب توقّع التكاليف والإيرادات، فيقلّ التقييم أحيانًا. لذلك يُنصح روّاد الأعمال بتحديث خططهم الماليّة كل ثلاثة أشهر بدل سنة.

حلول عملية لمواجهة التضخّم

تعديل الأسعار تدريجيًا وبشفافية

بدل رفع السعر دفعة واحدة من خمسة إلى سبعة جنيهات، ارفعه أولًا إلى ستة مع تحسين القيمة (زيادة الحجم، أو تغليف أفضل). أخبر الزبائن بأسباب الزيادة بلغة صادقة: (ارتفع سعر الدقيق، لكننا نضمن المحافظة على الجودة.( الشفافية تبني ثقة وتجعل العميل يتفهم.

تنويع قاعدة الموردين

لا تعتمد على مورد وحيد. ابحث عن ثلاثة على الأقل، وافتح باب التفاوض بينهم لتحصل على أفضل سعر. أحيانًا قد يكون المورد المحلي أغلى من المستورد أو العكس حسب سعر الصرف. هذا التنويع يقلّل صدمة التضخّم.

تحسين إدارة المخزون

التضخّم يعني أنّ الشيء الذي تشتريه اليوم سيكون أغلى غدًا. إذا كان المنتج غير قابل للتلف، اشترِ كمية أكبر قبل الزيادة (تسمى (التحوّط بالمخزون(). أمّا السلع سريعة التلف فقلّل تخزينها لتتجنب إهدارًا يزيد خسائرك.

أتمتة العمليات لتقليل الهدر

استخدم تطبيقات إدارة المخزون والحسابات السحابية. الأتمتة تقلّص الأخطاء البشرية وتوفّر ساعات عملٍ تترجم إلى مال. هكذا تعوّض جزءًا من أثر التضخّم على التكاليف.

إضافة مصادر دخل جديدة

• إذا كنت تبيع السندويتشات، أضف خدمة توصيل برسوم قليلة.
• إن كنت تملك مطبعة دفاتر، قدّم خدمة تصميم الغلاف بمقابل إضافي.
بهذه الطريقة لا يعتمد دخلك على منتج واحد يتأثر بالسعر، فتخلق مشاريع مربحة متعدّدة داخل المشروع نفسه.

التسويق الذكي بتكلفة منخفضة

بدل إعلانات مدفوعة باهظة، استخدم وسائل التواصل الاجتماعي والتسويق بالمحتوى. شارك قصص عملائك، صوّر عملية الإنتاج، وقدّم معلومات مفيدة. كل هذا يجذب انتباهًا مجانيًا ويخفض CAC (تكلفة اكتساب العميل)، ما يرفع الربح حتى في ظل التضخّم.

الشراكات والمفاوضة على العقود طويلة الأجل

وقّع عقود توريد طويلة بسعر ثابت إن استطعت. هذا يحميك من تقلب الأسعار. كذلك أقِم شراكات مع مشاريع أخرى لتقديم عروض مشتركة تجذب عميلين بجهدٍ واحد.

قصة واقعية: مخبز (أمل( يحارب التضخّم

أمل شابة بدأت مخبزًا منزليًا في 2022. مع ارتفاع أسعار الدقيق 60٪ في عامٍ واحد، كادت تغلق مشروعها. لكنها طبّقت حلولًا بسيطة:

  1. قللت حجم الكعكة 10٪ مع تحسين التغليف.
  2. اشترت دقيقًا بالجملة في وقت التخفيضات، فوفّرت 15٪ من التكلفة.
  3. أطلقت دورة قصيرة لتعليم الخَبز أونلاين مقابل اشتراك رمزي، فأصبح لديها مصدر دخل إضافي بالدولار.
    خلال ستة أشهر استعاد المخبز ربحيته وأصبح مثالًا حيًّا على قصص نجاح رواد الأعمال رغم التضخّم.

ربط التضخّم بخطط الاستثمار للمبتدئين

  • اختر قطاعًا لا يعتمد كليًا على الاستيراد؛ فالمنتجات المحليّة تتأثر أقل بسعر الصرف.
  • قسّم رأس مالك: جزءٌ في المخزون، جزءٌ في النقد للطوارئ، وجزءٌ في تطوير المنتج.
  • استثمر في تعلم مهارات رقمية مجانية؛ المعرفة لا تتآكل بفعل التضخّم.


التضخّم يشبه موجةً عالية؛ قد تغرق من لا يجيد السباحة، لكنها ترفع من يجيد ركوب الأمواج. المشاريع الصغيرة في مصر تواجه تحديات حقيقية، لكن بذكاء الإدارة وتنويع الإيرادات يمكن تحويل التحدّي إلى فرصة. تذكّر أن إدارة المخزون، والشفافية مع العميل، والأتمتة، والشراكات، هي أدوات تحمي أرباحك وتجعلك جزءًا من حلٍّ اقتصادي يساهم في دفع اقتصاد مصر للأمام. ابدأ اليوم بفكرة صغيرة، نظّم وقتك وتكاليفك، وستجد أنّ التضخّم ليس نهاية الرحلة، بل اختبارًا لقدرتك على الابتكار وصناعة أفضل فرص الاستثمار.