
دروسٌ تعلّمتُها من تجربتي في ريادة الأعمال
لماذا أكتب هذه الدروس؟
عندما يسمعُ أحدُكم عبارة ريادة الأعمال ربما يتخيَّل مكاتب زجاجيّة فخمة أو تطبيقات تكنولوجيّة معقَّدة. لكن الحقيقة أنَّ ريادة الأعمال تبدأ أحيانًا بفكرةٍ في دفتر طالب إعدادي أو مشروع صغير بميزانية منخفضة المدرسة. أنا – أحمد قدري – خضتُ هذه الرحلة على مدار أكثر من عشر سنوات: كسبت و خسرتُ رأسمالٍ، ربحتُ سمعةً، أغلقـتُ مشروعًا، وافتتحتُ آخر. اليوم أعودُ إليك بقائمة دروسٍ واقعيّة، مكتوبة حتى أوفّر عليك طريق الأخطاء وألهمك لتصنع إحدى قصص نجاح رواد الأعمال في المستقبل. فهمها مبكرًا يُساعدك على قراءة السوق، سواءً كنت تبحث عن الاستثمار للمبتدئين أو تطمح إلى مشروع عالميّ.
الدرس الأول: لا تنتظر المثاليّة ابدأ الآن
تخيَّلْ أنَّك تدرسُ مادة الرياضيات وتخشى حلَّ أي تمرين حتى تتأكد أنَّ نتيجتك ستكون صحيحة مئة في المئة. في نهاية الفصل، ستجد نفسك بلا تدريب حقيقي. هكذا تمامًا يحدث مع كثير من الشباب: ينتظرون اللحظة السحريّة التي تتحوّل فيها الفكرةُ إلى (تحفة( ثم يطلقون مشروعًا. تلك اللحظة لا تأتي. السوق مثل ملعب كرة؛ لا تتعلّم المراوغة إلا إذا جرَّبتَ ولَمسْتَ الكرة، وربما سقطتَ مرَّة أو اثنتين. عندما بدأت اول مشروع لى لم تكن واجهته مثالية، ومن دراسة السوق حسنت المشروع. قانون الملعب البسيط هذا هو بوّابتك إلى ريادة الأعمال في مصر أو أيّ مكانٍ آخر.
الدرس الثاني: الفشل معلّمٌ صادقٌ لا عدوٌّ لَدود
قد تبدو كلمة (فشل( مُخيفة، مثل علامة حمراء على ورقة الامتحان. في تجربتي، خسرتُ في مشروعي الأول. شعرتُ بالإحباط كما لو أنني رسبتُ في كل المواد. لكنّ الفشل أهداني (مذكِّرة ملاحظات( ثمينة اكتشفت اننى اخطأت فى تنفيذ بعض النقاط الاساسية . هكذا تحوّل (رسوب( العام الأول إلى حجر أساسٍ للنجاح في مشاريعي اللاحقة، وأصبح مثالًا واضحًا على كيفيّة تحويل الخسارة إلى مدخل لأحد أفضل فرص الاستثمار في المستقبل.
الدرس الثالث: الفكرةُ بذرةٌ والفريقُ هو التربة والماء
في حصّة العلوم نزرع حبةَ فاصوليا ونراقبها تكبر. الحبة تمثّل الفكرة، أمّا التربة والماء والضوء فهي الفريق. يمكن لبذرةٍ ذهبيّة أن تموت في تربة جافة. لذلك أنفقْ وقتًا أطول في اختيار الشركاء والموظفين الأوائل أكثر مما تنفقه في تصميم شعارٍ أنيق. في أحد مشاريعي كنتُ المطوّر والمسوّق والمحاسب في وقت واحد، فانهرتُ بسرعة. لاحقًا كوَّنتُ فريقًا صغيرًا:. الفريق القويّ يحوّل أفكار مشاريع صغيرة إلى مشاريع مربحة فعلًا.
الدرس الرابع: استمعْ جيدًا لعميلك – فهو المعلّم الحقيقي
أحيانًا نتحمّس لدرجة أننا نفرض على العميل ما نظنّه مثاليًّا. أضفتُ في مشروعى الاول ميزة مبهرة وجديدة، ولكننى اكتشفت لاحقا ان عملائى لا يهتمون بها، بل بالعكس اصبحت هذه الميزة سبب تأخر و بطئ فى التطوير ولذلك لغيت الفكرة. استمع لتعليقات عملائك كما تستمعُ لمعلّمك عند تصحيح الواجب، وعدّل منتجك سريعًا. بهذه الطريقة تصنع واحدةً من قصص نجاح رواد الأعمال الحقيقيّة.
الدرس الخامس: الإدارة الماليّة الصارمة – حارس المرمى
المال في المشروع يشبه الأكسجين في الجسم؛ إذا نفد تتوقفُ الأجهزة. لذلك ضع ميزانيةً للطوارئ تكفي ستة أشهر، واحسب كل التكاليف الظاهرة والخفيّة: الإيجار، الضرائب، الاشتراكات السحابيّة، وحتى استهلاك الكهرباء. حدّد (نقطة التعادل( حيث تغطي المبيعاتُ جميع المصاريف. تذكّر أن إيرادات اليوم ليست أرباحًا خالصة؛ منها ضريبة، ومنها راتب فريقك. الالتزام بهذه القواعد جعل مشروعي الثالث يصمد خلال جائحة كورونا، بينما أغلقت محالّ كثيرة تجاهلت الإدارة الماليّة. هكذا تحافظ على مشروعك ضمن مشاريع صغيرة مربحة حتى في أصعب الظروف.
خاتمة: استمتعْ بالرحلة قبل الوجهة ربما يبدو طريق ريادة الأعمال مُتعبًا، لكنّه يشبه رحلةَ استكشافٍ تقودك خطوةً خطوة نحو كنزٍ من الخبرة. أهمّ ما تعلّمتُه هو أن أستمتع بالتجربة نفسها: أفرح بالمحاولة، أتعلّم من الخطأ، وأحتفل بالنجاح مهما كان صغيرًا. إذا حفظتَ هذه الدروس الخمسة في دفترك، فستكون مستعدًّا لتبني مشروعك الأول، وتكتبَ قصتك الخاصة ضمن اقتصاد مصر المزدهر. ربما تبدأ بكشك عصير أو متجر إلكتروني بسيط، لكن من يدري؟ قد تصبح بعد سنوات عنوانًا يُضرب به المثل في الاستثمار للمبتدئين وملهمًا لجيلٍ جديدٍ يبحث عن أفضل فرص الاستثمار.