Eng Ahmed Kadri construction project
/

هل مصر مستعدة لتكون مركزًا إقليميًا للاستثمار؟

الحلم الذي يهمّنا جميعًا
تخيّل أن بلدك صار محطة تجارية كبرى، يأتي إليها المستثمرون من آسيا وأوروبا وأفريقيا لعقد الصفقات وبناء المصانع. هذا الحلم يُطرح كثيرًا في البرامج الاقتصادية تحت عنوان (مصر كمركز إقليمي للاستثمار(. لكن هل نحن فعلاً مستعدّون؟ في هذا المقال سنفكّك السؤال إلى عناصر بسيطة: ما عوامل الجذب؟ وما العقبات؟ وما الخطوات الجارية؟ لنفهم الصورة الكبيرة ونربطها بمشاريعنا الصغيرة.

أولًا: عوامل الجذب التي تضع مصر على الخريطة

الموقع الجغرافي الفريد

إذا نظرت إلى خريطة العالم، تجد مصر مثل عقد يربط ثلاث قارات: آسيا، أفريقيا، وأوروبا. قناة السويس وحدها تمرّ بها 12٪ من تجارة العالم. هذا الموقع يقلل تكاليف الشحن، ويجذب الشركات التي تريد الوصول إلى أسواق متنوّعة بسرعة. لذلك يُحسب الموقع من أفضل فرص الاستثمار اللوجستي.

السوق المحلية الواسعة

يبلغ عدد سكان مصر أكثر من 105 ملايين نسمة، أي سوق استهلاكية ضخمة تُغري الشركات الدولية. فكل منتج يطلق هنا لديه فرصة بيع كبيرة داخليًا قبل التفكير في التصدير. المستثمر يُحب السوق الذي يشتري منه ملايين العملاء المحتملين.

الاتفاقيات التجارية

مصر عضو في اتفاقيات مثل الكوميسا، أغادير، واتفاقية التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي. هذه الاتفاقيات تمنح المنتجات المصرية إعفاءات جمركية أو تخفيضات عند التصدير. المستثمر الذي يبني مصنعًا في مصر يستطيع بيع منتجاته لأسواق أفريقيا وأوروبا بشروط تفضيلية، ما يزيد هامش الربح.

البنية التحتية المتطوّرة

خلال العقد الأخير، استثمرت الحكومة في طرق سريعة، موانئ، مطارات، ومدن ذكية مثل العاصمة الإدارية. تحسّن البنية التحتية يقلل زمن النقل والتكلفة، وهو عامل رئيسي لاجتذاب الاستثمارات الكبرى خصوصًا في مشاريع مربحة صناعية أو لوجستية.

ثانيًا: العقبات التي تعرقل انطلاقتنا

البيروقراطية وتعقيد الإجراءات

لو أردتَ استخراج ترخيص مشروع صغير قد تواجه أوراقًا كثيرة وأختامًا متعددة. هذا التعقيد يضيع الوقت والمال، ويجعل بعض المستثمرين يتجهون لدول أسرع في الإجراءات. رغم التحسّن النسبي، ما زالت مصر بحاجة إلى نافذة موحّدة رقمية تسهّل بدء النشاط للقادمين الجدد.

بطء التقاضي التجاري

حل النزاعات في المحاكم يستغرق وقتًا طويلاً. المستثمر يفضّل دولةً يحظى فيها بحماية قضائية سريعة. الحكومة تعمل على إنشاء محاكم تجارية متخصصة، لكننا نحتاج إلى مزيد من التدريب للقضاة في القوانين التجارية الحديثة.

تكلفة التمويل المرتفعة

أسعار الفائدة المحلية عالية نسبيًا بسبب التضخّم، ما يزيد عبء القروض على الشركات. لذلك تلجأ بعض المشاريع إلى تمويل خارجي أو تؤجّل التوسّع. تخفيض الفائدة مرتبط بتحسين مؤشرات الاقتصاد الكلي وضبط التضخم.

ثالثًا: المبادرات الحكومية التي تغيّر اللعبة

الرخصة الذهبية

أطلقت الحكومة ما يُسمّى (الرخصة الذهبية( لتقليل زمن بدء النشاط إلى أسابيع قليلة بدل شهور. تسمح هذه الرخصة بإجراءات موحّدة عبر منصة رقمية، خاصةً للمشروعات الاستراتيجية كالهيدروجين الأخضر. هذه خطوة كبيرة لتحسين بيئة الاستثمار للمبتدئين والكبار معًا.

المنطقة الاقتصادية لقناة السويس

منطقة مساحتها 460 كيلومترًا مربعًا تضم موانئ ومناطق صناعية، توفر حوافز جمركية وضريبية وتسهيلات للشركات. بالفعل، جذبت المنطقة استثمارات في الطاقة الخضراء وصناعة السيارات الكهربائية، ما يَعِد بتحويلها إلى مركز تصدير إقليمي.

مبادرة دعم ريادة الأعمال

برامج مثل (روّاد 2030( تقدّم حاضنات ومسابقات تمويلية للشباب، ما يخلق نظامًا بيئيًا يدعم ريادة الأعمال في مصر. وجود شركات ناشئة مبتكرة يجذب رأس المال الجريء، ويعطي صورة ديناميكية للاقتصاد.

رابعًا: ما المطلوب لاستكمال الاستعداد؟

  1. رقمنة الإجراءات: جعل كل التراخيص عبر الإنترنت لتقليل الاتصال البشري والفساد المحتمل.
  2. إصلاح قانون العمل: توازن بين حماية العامل وجذب المستثمر.
  3. تعميق التصنيع المحلي: إحلال الواردات بمنتجات مصرية لتقليل الضغط على العملة.
  4. تطوير التعليم الفني: تزويد السوق بمهارات تتناسب مع المصانع الحديثة.

خامسًا: ماذا يعني هذا لطالب الجامعة؟

  • قد ترى فرص تدريب صيفي في مصنع قريب بفضل استثمارات جديدة.
  • تعلّمك للغات أجنبية وتقنيات رقمية يزيد فرصك في شركات عالمية ستفتح فروعًا محلية.
  • مشروع تخرجك يمكن أن يحظى بدعم حاضنة أعمال إذا كان يخدم أحد القطاعات الاستراتيجية.

خاتمة: الطريق ممهد بشرط الإصرار الإجابة على سؤال (هل مصر مستعدة؟( هي (نعم، ولكن…(. نعم لأن عوامل الجذب قوية: موقع عالمي، سوق واسعة، وبنية تحتية تتحسن. لكن هناك (لكن( تتمثل في تسريع الإصلاحات: تقليص البيروقراطية، تسريع القضاء التجاري، وخفض تكلفة التمويل. إذا واصلنا الإصلاحات، ستصبح مصر بوابةً مثاليةً للمستثمرين الباحثين عن أفضل فرص الاستثمار، وستزدهر مشاريع صغيرة مربحة بجوار المصانع العملاقة. دورك أنت كشاب طموح أن تجهّز نفسك بالمهارات وتراقب الاتجاهات؛ فقد تكون غدًا صاحب الشركة التي تستقبل أول دفعة من الاستثمارات الأجنبية وتتصدّر قائمة قصص نجاح رواد الأعمال